بسم الله الرحمن الرحيم
(اللهم اني بلغت اللهم فشهد ، البديل الإستراتيجي ( الكارثي
بادئ ذي بدأ ، البديل الاستراتيجي ..ملامحه و آثاره على القطاع النفطي

تحليل نفطي:

بعدما تقدمت الحكومة بمشروعها البديل الاستراتيجي إلى مجلس الأمة كثر حوله لغط كبير و احتل مساحة كبيرة من النقاش في وسائط التواصل الاجتماعي و وسائل الاعلام الأخرى.

و بالرغم من كون هذا المشروع ما زال يلفه الكثير من الغموض ، إلا أنه و من خلال القراءة الأولية له يظهر أن القانون سيعمل في اتجاهين هما:

أولا: مساواة العاملين الجدد الملتحقين بالقطاع النفطي بنظرائهم من موظفي الدولة عبر توحيد مسمياتهم الوظيفية و وصوفهم الوظيفية حيث تصب الوظائف ذات النطاق الواحد فيما يسمى بالعائلة الوظيفية ، و مثال ذلك أن كل الوظائف الهندسية تجمع في عائلة وظيفية واحدة تكون موحدة في الأجور و المزايا ، فمهندس الميكانيكا الذي يشرف على أعمال التكييف و صيانته في وزارة الأوقاف يتساوى مع نظيره من يتولى صيانة وحدة تكرير في مصفاة الأحمدي تصل طاقتها الإنتاجية إلى مئات الآلاف من البراميل من النفط يوميا.

و من الجدير بالذكر أن القانون أو مذكراته التفسيرية لم تتطرق إلى كيفية معالجة البدلات و العلاوات التي يتقاضها العاملون في القطاع النفطي ، إذ حرصت مؤسسة البترول الكويتية و شركاتها التابعة على إعطاء هذه المزية للعاملين فيها نظرا لطبيعة عملهم الخاصة و المتميزة عن بقية قطاعات الدولة.

ثانيا: كما و حرص مشرع القانون على محاولة الحد من التضخم في أجور العاملين الحاليين بالقطاع النفطي ، إذ ربط أي زيادة سنوية (زيادة الجدارة) الناجمة عن التقييم السنوي بما لا يتجاوز آخر مربوط الدرجة المقارنة في العائلة الوظيفية للبديل الاستراتيجي و مثال ذلك لو كان الراتب الأساسي للعامل الحالي 1000 دينار بينما آخر مربوط الدرجة المقارنة 500 دينار فإنه لن ينال زيادة جدارة ، و هو ما يعني أنه مهما حقق العامل الحالي  من مستوى عال في الأداء فإنه لن يتجاوز ذلك السقف.

أما فيما يتعلق بالنقل و التدوير و الترقيات فمما يظهر من القانون أنه في حال التدوير و النقل بين الشركات النفطية فإن العامل سيعاد تعيينه وفقا لأجور البديل الاستراتيجي ، أما في حال الترقية فلن ينال زيادة في الأجر طالما أنه راتبه الحالي أعلى من أخر مربوط الدرجة المقارنة حسب البديل الاستراتيجي.

و بعد استعراض ملامح البديل الاستراتيجي ، دعونا الآن نتطرق إلى آثار و تبعات هذا المشروع على الكفاءات البشرية في القطاع النفطي.

أولا: سيكون هنالك عزوفا من قبل العاملين الجدد للالتحاق بالقطاع النفطي ، فنظرا لطبيعة العمل في القطاع النفطي و التي تتصف بالخطورة و امتداد ساعات العمل فيه إلى ثمان يوميا و وجود نظام عمل النوبات التي تمتد نحو 12 ساعة للنوبة و انتشار عملياتها ، كما في بعض الشركات ، في البلاد كلها ، فلن يكون هناك حافزا لهم طالما تتوافر لديهم وظائف أخرى تحمل ذات الأجور ، بينما يكون العمل فيها أقل نشاطا و مجهودا و مشقة.

ثانيا: عزوف ذوي الخبرات في السوق المحلية و العالمية من قبول العمل في القطاع النفطي حيث أن التنافس الشديد على سوق عمل يشح فيه المعروض يرفع من قيمة العروض الوظيفية لتلك العمالة ، و بالتالي و في ظل عدم وجود أجور مغرية و مزايا أخرى فليس هنالك من حافز لاستقطاب الكفاءات و ذوي الخبرات.

ثالثا: في وسط ما يفرضه قانون البديل الاستراتيجي من تجميد للرواتب و الأجور ، فإن حالة الجمود الوظيفي ستصيب القطاع بأكمله حتى من خلال النقل و التدوير أو الترقية ، و سيعمد العاملون للبقاء في مراكزهم الحالية و رفض الانتقال إلى الأماكن الأكثر خطورة أو بعدا ، كما في العمليات البحرية أو المناطق النائية  كمثل الوفرة و الخفجي ، مما سيجعل عمليات تلك المناطق تعاني نقصا حادا في العمالة و يعرض عملياتها للتشغيل غير الآمن.

رابعا: و لما كان الانتقال بين الشركات النفطية يتطلب إبرام عقود عمل جديدة فعند تطبيق البديل الاستراتيجي سيتم ذلك وفقا لأجوره ، و حيث أن الشركات النفطية الصغرى تحصل عادة على ترشيحات قيادييها من الشركات النفطية الكبرى فإن الأولى ستعاني شحا كبيرا نظرا لعدم قبول هؤلاء تخوفا من تدني أجورهم و خسارة مزاياهم.

خامسا: كما هو معروف أن القطاع النفطي يدير أعماله حسب منظومة مؤشرات الأداء ، أي أن العامل لا يحصل على مكافأته السنوية أو الزيادة في الجدارة السنوية إلا من خلال تحقيق جملة من الأهداف المتفق عليها عند بداية العام المالي ، و يعد نظام الإدارة بالأهداف نظاما فاعلا و ناجحا و متبعا في كثير من كبريات الشركات العالمية ، و لما كان هذا النظام الإداري يرتبط أساسا بمنظومة المكافأة ، فإن تجميد الرواتب و المزايا سيصيب هذا النظام بالشلل التام ليتساوى فيه المجتهد و المتراخي ، فلا يعود للإنجاز أي قيمة أو أثر.

و هذا بدوره سيحيل القطاع النفطي إلى مؤسسة مصابة بكافة أمراض الترهل الإداري و التي تتفشى فيه ظواهر الغياب و التمارض و عدم الإنجاز و التراخي و الدعة و اللامبالاة.

خامسا: كل ما سبق سينجم عنه تسرب الكفاءات الوطنية إما بالتقاعد أو الانتقال إلى وظائف حكومية أخرى ، و قد دلت بعض الشواهد على صحة ذلك ، فبعدما ساد الحديث عن البديل الاستراتيجي الصيف الماضي بلغ عدد المتقاعدين منذ تلك الفترة ما يمثل نصف أعدادهم خلال السنوات الخمس الماضية ، و هو ما يشكل خسارة كبيرة لمخزون هائل من الخبرات و المعرفة يصعب تعويضها في فترة وجيزة.

و للقارئ أن يتساءل بعد هذا الاستعراض السريع لآثار البديل الاستراتيجي على العنصر البشري ، ما الذي يمكن أن يخلفه ذلك على أعمال القطاع النفطي ، نوجز هذا في النقاط التالية:

أولا: تراجع إمكانية القطاع النفطي الوفاء بتحقيق استراتيجيته الرامية إلى إنتاج 4 مليون برميل من النفط ، فكما هو معروف أن استراتيجية القطاع تقوم على 8 مبادئ منها تطوير العنصر البشري و جعل القطاع جاذبا للكفاءات البشرية ، و في ظل ما استعرضناه في هذا التحليل ، يتعذر تحقيق الأهداف الاستراتيجية لعدم قدرة القطاع النفطي على اجتذاب أو حتى الاحتفاظ بالكفاءات البشرية و التي تعد الركيزة الأساسية لتنفيذ هذه الاستراتيجية.

ثانيا: لما كان دخل النفط يمثل ما يزيد عن 90% من مدخول خزينة الدولة فإن تعطل خطط القطاع النفطي لتنفيذ أهدافه الاستراتيجية سيؤثر سلبا على خطط الدولة التنموية الرامية إلى تحقيق الرفاه و العيش الكريم في الدولة.

ثالثا: هدر كبير للاستثمارات التي تم انفاقها على القطاع النفطي ، فقد صرفت الدولة عشرات المليارات على المشاريع الرأسمالية و التي تشكل بدورها حجر الأساس في تنفيذ استراتيجية القطاع النفطي لرفع الطاقة الإنتاجية ، غير أن ذلك يتطلب أن تكون هنالك موارد بشرية قادرة على تشغيل منشآتها بشكل مقتدر و آمن ، و إلا كان ذلك هدرا للمال العام لا مبرر له.

Reply · Report Post