وضع حكم المحكمة الدستورية في الطعون الانتخابية للفصل التشريعي الرابع عشر لمجلس الأمة نهاية لجدل دستوري حول مراسيم الضرورة بشكل عام ومرسوم تعديل النظام الانتخابي الى الصوت الواحد بشكل خاص، ليسجل القضاء الكويتي انتصارا تاريخيا ببسط رقابته القضائية على مراسيم الضرورة قاطعا الشك باليقين أن سلطة التشريع لا يمكن لها أن تكون منفردة وبعيدة عن الرقابة البرلمانية والقضائية.

إن احترام الأحكام القضائية أحد سمات المجتمعات الديمقراطية مهما اختلف أو اتفق حولها، فلا يمكن للأحكام أن تأتي وفق الأهواء بالمطلق، ولا يقبل للقضاء أن يكون أسير التدخلات من أي طرف كان، وهو ما يدعونا الى التأكيد على الالتزام بأحكام المحكمة الدستورية في الطعون الانتخابية وإن جاءت بخلاف تطلعاتنا وأمانينا.

لقد حرص التحالف الوطني الديمقراطي منذ صدور مرسوم تعديل قانون الانتخاب (الصوت الواحد) على التمسك بالإجراءات الدستورية سواء برفض المرسوم انطلاقا من الشك الدستوري بصحته، وصولا الى ممارسة دوره السياسي الوطني في إعلان المقاطعة للانتخابات البرلمانية الماضية كأحد الأدوات السياسية للتعبير عن رفضه بتعديل النظام الانتخابي خارج إطار مجلس الأمة.

لقد جاء الحكم الدستوري الأخير ليؤكد ما ذهب اليه "التحالف" في موقفه السابق بأن مراسيم الضرورة لا يمكن لها أن تكون حقاً مطلقا لرئيس الدولة، او تكون خارج إطار الرقابة الدستورية، حين أكدت عدم دستورية مرسوم انشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات، إلا أن المحكمة قبلت بمسببات الضرورة التي أرفقت مع مرسوم تعديل النظام الإنتخابي الى الصوت الواحد لتؤكد على دستوريته.

إن قرار المحكمة الموقرة من دستورية مرسوم "الصوت الوحد" لا يغير من موقفنا السياسي تجاهه، فهذا النظام، وبرغم الشرعية الدستورية التي حصل عليها، إلا أنه سياسيا يعتبر رده عن التطور الديمقراطي المأمول، ونكوصا على التوافق الحكومي النيابي حول قانون الانتخاب 42/2006 والذي جاء من رحم المطالبات الشعبية، وتعديا على حرية الشعب في اختيار النظام الانتخابي عبر ممثليه في مجلس الأمة، ويسهل من سيطرة المال السياسي على الانتخابات، ورسخ من التصويت الطائفي والقبلي والفئوي، ولعل مقاطعة الانتخابات ونجاحها كانت أبلغ رسالة سياسية برفض المرسوم.

وأمام الواقع الجديد الذي فرضته المحكمة الدستورية، فإن التحالف الوطني الديمقراطي يجدد التزامه بتطبيق الحكم، ويعلن مشاركته في الانتخابات المقبلة، سعيا نحو إقرار نظام انتخابي أكثر تقدما وتطورا وفق القوائم النسبية يحقق التطلعات الديمقراطية السليمة، ويقضي على التصويت القائم على المبدأ الطائفي والانتماء القبلي والفئوي، وصولا الى تحقيق حزمة قوانين باتت ملحة لاصلاح النظام السياسي في الكويت، وفي مقدمتها تعديل قانون المحكمة الدستورية بما يتيح للمواطن اللجوء اليها مباشرة، إقرار قانون لإشهار الأحزاب السياسية لتنظيم العمل السياسي، ضمان استقلالية القضاء عبر قانون جديد يطور من عمل السلطة القضائية، وتهيئة الأجواء والتشريعات اللازمة للانتقال الى النظام البرلماني المتكامل، بالإضافة قوانين تكفل ما أمكن من المساحة الواسعة لحرية التعبير عن الرأي.

أن المرحلة المقبلة تتطلب عملا وطنيا حقيقيا ينتشل البلاد من أزمتها العميقة، ويعيد قطار الديمقراطية الى السكة بعد أن انحرفت عنها، وهي مرحلة اختبار جديدة وجدية لكافة الأطراف للدفع نحو دولة دستورية مدنية أساسها النظام الديمقراطي، تحقق من خلالها الاصلاحات العامة، وتحتضن جميع فئات المجتمع بمختلف ألوانهم وطوائفهم للمساهمة في عملية البناء والتنمية.

Reply · Report Post