sultaan_1

Sultan Alamer · @sultaan_1

12th Feb 2012 from Twitlonger

نقد الدخيلي للسكران

مراجعات لورقة 'احتجاجات المناوئين للخطاب الشرعي'


(الجزء الأول)

يجنح بنا التفكير في أحيان كثيرة إلى اعتبار المواقف الثنائية / المتقابلة: الوضع الطبيعي في تقييم الأفكار والحكم عليها، ونجد في أنفسنا نوعاً من الاستجابة السريعة إلى تأييد هذا النمط من المواقف.

بينما لا تأخذ المواقف التي تحاول الفرز والتصنيف بين الرؤى المختلفة حظها من النظر والتأمل، بل ربما كانت عملية الفرز والتصنيف كفيلة بأحد طرفي النزاع إلى قذف صاحبها إلى طرفه المعاكس.

هذا هو الحال ـ أو يكاد ـ عندما تريد قراءة ما تضمتنه ورقة الأستاذ السكران في (احتجاجات المناوئين). فربما يعتبرك البعض واحداً من المناوئين لمجرد أن تبدي تحفظا هنا وهناك على هذه الورقة.

في هذا المعنى، يقول ابن تيمية رحمه الله: ((واعلم أن أكثر الاختلاف بين الأمة، الذي يورث الأهواء؛ تجده من هذا الضرب، وهو: أن يكون كل واحد من المختلفين مصيباً فيما أثبته، أو في بعضه، مخطئاً في نفي ما عليه الآخر...)) [اقتضاء الصراط المستقيم 1/128].

إن الإمساك بخيط الحق في الأقوال المختلفة أمر عسير، يحتاج قبل كل شيء إلى توفيق من الله سبحانه، وهو الذي يهدي لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وهو يحتاج كذلك إلى تجرد من نوازع النفس التي تدعو إلى حالة من التشبث برأيها والإصرار على مواقفها، وهذا التجرد هو من العدل الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به بقوله : ?يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى? [المائدة:8].

وحول هذا المعنى يقول ابن تيمية: (وهكذا يصيب أصحاب المقالات المختلفة، إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه، وأنه على السنة؛ فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوىً أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم، وإن كان مجتهدًا معذورًا لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن يوافقهم، وإن كان جاهلاً سيئ القصد، ليس له علم ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله..). "منهاج السنة" (5/254-256).

من هذه الفكرة أحببت أن أقدم قراءة فاحصة لأحد الزوايا التي تحتاج إلى مراجعة في ورقة الأخ الفاضل إبراهيم السكران.

هذه المراجعة لا تقصد إسقاط هذه الورقة النافعة، وإنما تدعو إلى ترشيدها، وهي كذلك لا تدعو إلى تضعيفها، وإنما تدعو إلى تقويتها حتى تبدو أكثر موضوعية في تناول هذا الموضوع المهم.

وفي وقت أصبح سوء الفهم لا يمثل حالة استثنائية، وإنما حالة لها حضورها الكثيف، خصوصا في القضايا المشكلة أجدني محتاجاً في مدخل هذا المقال أن أورد بعض القضايا البدهية، التي أتمنى أن لا أحتاج إلى تكرار القول فيها، وهي بدهيات مرتبطة بأهم القضايا التي سأناقشها في هذه الورقة:

القضية الأولى: (مفهوم المناوئين).

القضية الثانية: (الخطاب الشرعي وسؤال التقصير).

تتضمن القضية الأولى تسليماً بوجود المناوئين ـ بغض النظر عن مفهومه ـ، فالخطاب الشرعي / السلفي له مناوئون، بل وشديدو المناوأة أيضاً، وينبغي أن لا نشك في هذه البدهية، وهم بحاجة إلى حالة من التصدي الواعي والصادق من أهل الخطاب الشرعي حتى لا تستشري هذه المناوئة ويحصل بذلك فساد عريض.

وعن أهمية هذا التصدي، يقول ابن تيمية: (ما وقع في هذه الأمة من البدع والضلال، كان من أسبابه تقصير من قصَّر في إظهار السنة والهدى). "درء التعارض" (5/378). ويقول: (وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة). "الفتاوى" (3/104).

كما أنه من البدهي كذلك، أن هذا الخطاب المناوئ له دعاوي كثيرة، ربما لم يذكر الأستاذ السكران إلا جانب منها فقط، وهو في نظري قد تجاوز دعاوى أهم من تلك التي ذكرها، وهي الدعاوى المتعلقة بالمنهج لا بالممارسة.

أما القضية الثانية، فتتضمن تسليماً بوجود نوع من التقصير في الخطاب الشرعي، وهو تقصير أقر به الأستاذ السكران ـ بغض النظر عن نوع هذا التقصير ـ كما سيأتي.

والإقرار بهذا التقصير، يعني بالضرورة أن ثمة فرقاً بين نقد المنهج ونقد الممارسة، وفي التفريق بين الأمرين يقول ابن تيمية: (...وإذا قُدِّر أن في الحنبلية -أو غيرهم من طوائف أهل السنة- من قال أقوالاً باطلة، لم يبطل مذهب أهل السنة والجماعة ببطلان ذلك بل يُرد على من قال ذلك الباطل، وتنصر السنة بالدلائل). "منهاج السنة" (2/607.606).

ويقول في موطن آخر: (...فتقدير أن يكون بعض أهل السنة المثبتين للرؤية أخطئوا في بعض أحكامها، لم يكن ذلك قدحًا في مذهب أهل السنة والجماعة، فإنَّا لا ندعي العصمة لكل صنف منهم، وإنما ندعي أنهم لا يتفقون على ضلالة). "منهاج السنة" (3/342).

وهذه البدهية التي يؤكدها ابن تيمية هي التي يقول عنها الأستاذ السكران في إحدى مقالاته: (وبدهي أن نقد "السلفية المعاصرة" ليس نقداً لـ"السلف" ذاتهم برغم انتساب السلفيين إلى السلف, كما أن نقد المسلمين المعاصرين ليس نقداً للإسلام ذاته برغم انتسابهم اليه , وكما أن نقد الحنابلة ليس نقداً للإمام أحمد ذاته برغم انتسابهم إليه, وكما أن نقد كتاب من كتب التفسير ليس نقداً للقرآن ذاته برغم إعلانه كونه مجرد تفسير له... هذه المسافة بين "المعطى" و"تفسيره" المنتسب إليه هي أحد أصول علم الملل والفرق والمذاهب الفكرية, فأتمنى أن لا أكون بحاجة إلى إعادتها وتأكيدها مرة أخرى).

أنتقل بعد ذلك إلى مراجعة ورقة الأستاذ السكران، وسأكتفي في هذا الجزء الأول من هذه المراجعة بمناقشة الإشكالات المنهجية في الورقة، وسأتبعها بجزء آخر بإذن الله بمراجعة عدد من القضايا التفصيلية الأخرى.

* الإشكالية الأولى: (تحديد مفهوم المناوئين)

عندما نريد أن نمسك بزمام هذا المفهوم عند الكاتب، فإننا نجد أمامنا جملة عبارات ومفاهيم، ومن خلالها يمكن أن نعرف من يا ترى هؤلاء المناوئين للخطاب الشرعي / السلفي؟

أما العبارات: "فهم يستعملون مجموعة منها، كثيراً ما تتردد في مجالسهم من مثل:

(مشكلة الإسلاميين أنهم...الخ)، أو (مشكلة المشايخ أنهم..الخ)، وتارة أخرى ألاحظ أن العبارة تبدأ بلغة أكثر انتماءً مثل (مشكلتنا أننا.. الخ)". هذه العبارات الثلاثة هي مؤشر أول لتحديد معنى المناوئين.

وأما المفاهيم، فهي: نقد الخطاب الشرعي / السلفي في عدم اهتمامه بقضايا الحقوق أو المقاصد أو المنجزات الغربية ونحو ذلك مما سيأتي ذكره.

ما المهم هنا في تحديد مفهوم ((المناوئين))؟

المهم في نظري: أن (المناوئين) ـ بحسب التقرير السابق ـ: اسم جامع لكل من انتقد تلك الممارسات العملية لـ((لواقع الشرعي / السلفي))، حتى ولو كان يستعمل اللغة الانتمائية التي تشير إلى انتمائه إليهم من مثل ((مشكلتنا أننا... )). فهذا اللفظ عند الكاتب لا يفرق بين النقد الذي ينقد الممارسة بغية الوصول إلى نقد المنهج نفسه، وبين النقد الذي يتعرض للممارسات، بغية الوصول المنشود إلى تطبيق المنهج على الوجه الصحيح.

وجوهر هذه الملاحظة، يتخلص في أننا عندما لا نفرق بين الأمرين، فإن هذا سيعني توريث عدد من المشكلات الفكرية:

ـ سنعتبر أي مساهمة تتبنى بعض الملاحظات التي تعرض لها البحث جزءا من مشروع المناوأة للخطاب الشرعي / السلفي. فلا فرق ـ وهذا هو المهم ـ بين النقد من أجل الترشيد، والنقد من أجل الهدم وتشويه المنهج. ولا فرق بين النقد عندما يمارسه أصحاب المنهج نفسه، وبين النقد عندما يمارس من خارج المنهج لمجرد التوافق في الأطروحات المجملة، حتى وإن اختلفت التفاصيل.

ولذلك، جميع من انتقد الممارسة التعليمية لموضوع الصفات هم في زمرة المناوئين، حتى مع التفاوت الذي يقره الكاتب. سواء ـ كما قال الكاتب ـ أذهبوا إلى: ((عدم شرعية المبحث، أو غياب المخالف، أو مغالاة الجهد المبذول)). وجميع هذه الدعاوى الثلاث هي دعاوي المناوئين.

ربما يحسب القارئ أنني أمام مشكلة هامشية أو مفتعلة في هذا الموضوع، وحتى أبين للقارئ أننا أمام مشكلة مركزية، فإني أدعوه إلى تأمل المقارنة التي سأعقدها بين كلام الأستاذ السكران في هذه الورقة وأقارنه بكلامه من مواطن أخرى في بحوث متقدمة له.

وإذ أعقد هذه المقارنة، أتمنى أن يستحضر القارئ الكريم معي ما أشار إليه أحد الأصدقاء المقربين من الأستاذ السكران، والذي أسعفنا بشهادة ضد من يتهمه بأنه كان خارجاً عن الخطاب الشرعي أو السلفي، ثم عاد يقول فيها: ((متى خرج حتى يعود!! أنا أعرف إبراهيم من أيام "ورقة المناهج" وإلى اليوم، وبكل أمانة أن الرجل هو هو لم يتغير منهجه)). [هو الكاتب الملقب بالأعرابي في مجموعة عبدالعزيز قاسم البريدية].

ومع أني لست متحمساً لفوبيا التغيرات، والإلحاح على سؤال: هل تغير أم لم يتغير؟ بقدر ما أنا معني بمناقشة الأفكار في أي أطوارها، سواء في حالة التغير ـ كما نسميها ـ أم في حالة السكون.

من أجل ذلك، فإني أدعو القارئ إلى الاشتغال بسؤال الأفكار دون سؤال التغير، لأن البعض قد يحسب أن مجرد إثبات تغير الفكرة عند صاحبها يكفي لإسقاط المشروعية عنها، وهو أمر يدعو بلا شك إلى إعادة بوصلة التفكير في هذه القضية.

ولذلك أؤكد أن المقصود من عقد هذه المقارنة، أن أبين أهمية الإشكال المنهجي في تحديد مفهوم المناوئين.

أنقل للقارئ النصوص التالية تحت هذه الاحتجاجات:

ـ الخطاب الشرعي والظواهر المالية:

يقول الأستاذ السكران في ورقته عن المناوئين: ((من العبارات التي يرددها المحتجون ضد الخطاب الشرعي المعاصر قولهم: (عالم المدنية المعاصر أفرز العديد من أنماط وصيغ العقود الحديثة، بينما الباحثون الشرعيون المعاصرون لا زالوا يعيدون اجترار بنت لبون وبنت مخاض الخ)، طبعاً بعيداً عن بشاعة الاستهتار بألفاظ النبي rالواردة في مقادير الزكاة، لكن دعونا نتجاوز ذلك، وننظر في مدى "الواقعية العلمية" لهذا الاحتجاج، هل البحث الشرعي المعاصر لا يعرف –فعلاً- العقود المعاصرة؟)).

ولما أراد الأستاذ الفاضل أن يبين تهافت هذه الدعوى، ذكر عدداً لا بأس به من تلك الدراسات التي اهتمت بموضوع العقود، ثم قال: ((وهذه الدراسات الطريفة، التي تناولت أسئلة ذكية، تنم عن وعي واضح بالظواهر المالية المعاصرة)).

ويوجهنا إلى بعض المصادر التي يمكن من خلالها معرفة أسماء هذه البحوث، ثم يقول: ((وسيجد أكداساً غزيرة من الدراسات الشرعية الممتعة في العقود الحديثة)). هذا تقييم الأستاذ الكريم لهذه البحوث في ورقته، فلننظر ماذا قال في موطن آخر من بحوثه: ((وفي سياق هذه الخواطر السابقة حول واقع فقه المعاملات المالية المعاصرة وطموحات تطويره، يطل موضوع (فقه الأسهم) بشكل ملح، باعتباره أحد المساحات الموات الجرداء التي لم يتم إحياؤها بالبحوث التحليلية المنظمة والمتوازية مع عمقها وتجددها، وهناك على قائمة الانتظار العديد من الإشكاليات التي لم تحظ بالدارسة التحليلية من مثل...)). [الأسهم المختلطة ص 18].

وهو ينعى على الفقه الإسلامي واحدة من أهم الأخطار التي تهدد عملية التنمية الفقهية، وهي التي يقول فيها: ((ولا يشك من يعنيه أمر الفقه الإسلامي أن من أهم الأخطار التي تهدد عملية التنمية الفقهية ظاهرة الإعراض عن البحث الفقهي الجاد بما تقتضيه من ولع بتفحص النصوص والتنقيب في مدونات التراث واستقراء للاتجاهات وتحليل للمستندات وتداول النتائج والاستعاضة عن ذلك كله بالركون إلى إصدار الفتاوى بادي الرأي في القنوات الفضائية والمجلات الإلكترونية بحسب ما تمليه خواطر الوهلة الأولى، وحقيقة الأمر أن الفقه لا تبنيه ألسنة الفتاوى المرسلة وإنما تبنيه سواعد البحث المضني)) [الأسهم المختلطة 14].

ثم يساهم الأستاذ الكريم في كتابه السابق بحالة توصيفية لاذعة للبحوث المعاصرة التي تسببت في أزمة سماها بأزمة الهدر الفقهي، فيقول: ((كما أن من أهم مصادر أزمة الهدر الفقهي استنفاد جهود المجامع المتخصصة في دراسة التطبيقات الجزئية الصغيرة عبر التعسف في تعليب المعاملات المستجدة داخل الأوعية الفقهية التقليدية، وقسرها على تقمّص أشكال العقود التراثية فتخرج كثير من البحوث بصورة كسيحة تشي بحجم التكلف الهش، في مقابل إهمال بناء (منظومة القواعد المرجعية) الحاكمة لهذا العلم)).

فنحن في النص الأول أمام ((أكداس غزيرة من الدراسات الشرعية الممتعة))، وفي النص الثاني أمام ((أحد المساحات الموات الجرداء التي لم يتم إحياؤها)). وأمام حالة من (الإعراض عن البحث الفقهي الجاد) والاستعاضة عنه بالفتاوى المرسلة. وأمام (قائمة انتظار طويلة من الإشكاليات التي لم تحظ بالدراسة والتحليل)، وهو كلام يأتي في سياق حديثه عن موضوع الأسهم الذي اعتبره في ورقته من أكثر الموضوعات التي نالت حظها من العناية. ونحن كذلك في النص الأول أمام بحوث ((تنم عن وعي واضح بالظواهر المالية المعاصرة)) ((وبحوث ممتعة))، وفي النص الثاني أمام ((بحوث كسيحة تشي بحجم التكلف الهش)).

هل كان الأستاذ الكريم وهو يمارس هذا النوع من التقييم ـ الذي قد تتفق معه أو تختلف ـ واحداً من المناوئين للخطاب الشرعي؟ أم كان وهو يتحدث بهذا النوع من النقد يشعر بواجب الأمانة في توجيه دفة البحث الفقهي للجادة الصحيحة؟

هذا التساؤل لن أعيده إلا بعد استكمال جميع النصوص، لكني أردت أن أنبه القارئ إلى طبيعة التساؤل الذي أتمنى أن يستصحبه أثناء قراءة هذه النصوص المتقابلة، ليعرف مدى إشكالية تحديد مفهوم المناوئين في خطاب الأستاذ السكران.

أدع القارئ الكريم مع النصوص الأخرى:

ـ الخطاب الشرعي والفكر القانوني:

يذكر الأستاذ السكران في ورقة المناوئين ما يلي: (ومن الاحتجاجات الشائعة أن البعض يقول: ((الباحثون الشرعيون جاهلون بأسئلة وإشكاليات الفكر القانوني المعاصر))، وهذه أيضاً شائعة غير علمية كلياً، فإن الباحثين الشرعيين طرحوا دراسات كثيرة جداً في القضايا القانونية المعاصرة))، هذا هو وصف المناوئين، فلنتأمل في نص الأستاذ السكران، والذي ينعى فيه على واقع الفقهاء المعاصرين وموقفهم من علم القانون، حيث يقول:

((فالمفترض في فقهاء المعاملات المالية المعاصرة اليوم أن يتجاوزوا تلك الحساسيات التاريخية مع علم القانون، والتي نشأت في ظل مناخ من التوترات السياسية أججتها حالة الاحتجاج الشعبي ضد القسر الإمبريالي في تغريب التشريعات.

بمعنى أنه يجب على الفقهاء المعاصرين أن يعيدوا علم القانون إلى صورته الطبيعية المتوازنة من حيث كونه علماً وضعياً فيه ما يخدم الفقه الإسلامي، وفيه ما يتعارض معه، فما الذي يجعل علم الاقتصاد الوضعي ذا الصبغة الرأسمالية والمنشأ الغربي يجوز التواصل النقدي معه والتفاعل الإيجابي مع المختصين فيه، بينما يحرم هذا التواصل النقدي والتفاعل الإيجابي مع علم القانون الحديث؟ فواقع الأمر أن كلا هذين العلمين من حيث التصور الشرعي الطبيعي يقفان في ذات الخانة، وهي خانة (العلوم الوضعية) المرتبطة بالخبرة البشرية، والخاضعة للفحص الشرعي، فيؤخذ منها ويرد طبقاً للقاعدة العامة في الموقف من العلوم الوضعية، أي بحسب التوافق والتعارض مع أصول الشريعة)). [الأسهم المختلطة ص 17].

ـ الخطاب الشرعي وقضايا الأخلاق:

يقول الأستاذ الفاضل في ورقته الأخيرة: ((يردد كثير من مناوئي الخطاب الشرعي قولهم بأن الفكر الديني المحلي استغرق في القضايا الشكلية كاللحية والإسبال، وترك قضايا الجوهر الأخلاقي كالأمانة والإحسان إلى الناس وحقوق الغير ونحوها، حتى صار التدين شكلياً، وصار مفهوم التدين مرتبطاً في الوعي الشعبي بقضايا القشور، وقد لاحظت أن أكثر قضية أخلاقية يرددها هؤلاء المناوئين هي قضية "قيم العمل" أو "احترام المهنة"، وأنها قيمة أخلاقية غائبة كلياً في الخطاب الشرعي، مما أدى إلى تحوله إلى تدين مظهري مجوف غير حقيقي)).

هذا الحال الذي يصفه الأستاذ الفاضل هو الذي يقول عنه في مقال سابق، وهو يعدد القضايا والأفكار المركزية والمحورية عند التيار الإسلامي العريض في الوسط السعودي، ذاكراً إحدى القضايا المركزية في هذا الخطاب، ما يسميه: ((فقهيات الصحوة)):

((هناك مسائل جزئية فقهية جزئية ارتبطت بظاهرة التدين الصحوي، مثل: (وجه المرأة، الغناء، اللحية، الإسبال، التأمين، صلاة الجماعة) وغيرها من المسائل المشابهة التي تحتفظ بمكانة خاصة في ذاكرة الوعي الإسلامي الشعبي الذي صنعته الصحوة، والتي تتعامل مع هذه المسائل من منطلق مذهبي خالص، فهذه المسائل التي أفتى بها الرواد لا يجوز مساسها أو إثارة الزوابع حولها.

أما تيار التجديد، فلا يمتلك قداسة علمية لا لهذه المسائل ولا لغيرها من الجزئيات الفقهية، والقداسة فقط للمنهجية العلمية، وبعد ذلك يفتح الباب لكل دارسة معرفية جادة لبحث هذه المسائل أو غيرها )). [مقال للأستاذ إبراهيم السكران منشور في كتاب (الإسلاميون... سجال الهوية والنهضة) ص 195].

ـ الخطاب الشرعي والعلوم غير الشرعية:

يقول الأستاذ الفاضل في ورقته الأخيرة: ((يرى مناوئو الخطاب الشرعي بأننا (اليوم في تخلف مدني شديد وبحاجة ماسة إلى العلوم المدنية المعاصرة، ولكن أزمة الخطاب الشرعي أنه يزهد الشباب المسلم في تعلم العلوم المدنية، وأنها ضياع وقت، وأنه لا ثواب فيها)، ولذلك يعتقد هؤلاء النقاد أن ضعف الجوانب المدنية في المجتمع المسلم المعاصر ليست أولاً بسبب ضعف كفاءة المسؤولين عن التعليم، وإنما بسبب الخطاب الشرعي الذي يضخ -ولا يزال- صورة منحطة عن العلوم المدنية)).

هذه هي حجة المناوئين.

فلننظر ماذا يقول الأستاذ في حديث آخر يصف فيه واقع الخطاب الشرعي، حيث يذكر أن هناك حالة من عدم التوازن في تحديد وزن العلوم الحديثة فهم يتواصلون مع الاقتصاد الحديث لكنهم يقاطعون خبراء التشريعات الحديثة في حالة من النفور المذهلة، يقول في ذلك: ((وفي إطار محاولات الفقهاء الرواد في التواصل مع العلوم الحديثة ذات الصلة بفقه المعاملات المالية بخصوص تصوير العقود والوقائع المستجدة وتوضيح صيغ علاقاتها المؤثرة على الحكم الشرعي يلاحظ المتابع موقفاً مترعاً بالمفارقة في تحديد وزن العلوم الحديثة التي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال.

فقد تم في هذا السياق بناء تواصل إيجابي معقول مع الاقتصاد الحديث، وتبادل للخبرات مع رجالات الاقتصاد من خلال استكتابهم في المجامع الفقهية، والاستناد إلى نتائجهم العلمية، وترجمة دراساتهم الأجنبية في تنام مستمر وملحوظ لمرجعية الاقتصاديين في الوعي الفقهي المعاصر، في مقابل القطيعة والنفور المذهل مع خبراء التشريعات التجارية والمالية الحديثة، على الرغم من أن خبراء التشريع من شُرّاح القانون ونحوهم في المجتمعات المتقدمة هم الوجه الحقيقي المقابل للفقهاء في المجتمع المسلم...)). [الأسهم المختلطة: 16].

ـ الخطاب الشرعي والاستفادة من الغرب:

يكرر كثير من مناوئي الخطاب الشرعي ـ كما يقول الأستاذ الفاضل في ورقته ـ القول بأن: ((الحضارة الغربية اليوم تمثل منبع العلوم ونموذج التفوق المذهل في كل الميادين والمجالات، ومن أعظم أسباب تخلفنا أن الخطاب الشرعي اليوم يقف حجر عثرة بين المجتمع المسلم والاستفادة من الغرب، وما لم يصحح الخطاب الشرعي موقفه الانفصالي هذا فهذا يعني أننا سنبقى في قعر التخلف)). هكذا تقول حجة المناوئين.

فما هو يا ترى توصيف الأستاذ الكريم لهذه الحالة في مقالات سابقة ؟ لنتأمل النص التالي والذي يذكر فيه الأستاذ الكريم واحدة من القضايا المركزية المحورية للتيار الإسلامي العريض في الوسط السعودي ـ كما يُعبر ـ يقول تحت عنوان ((الموقف من الحضارة)): ((تمتلك بعض الأطياف الإسلامية موقفاً سلبياً رافضاً للحضارة الغربية، فمثلاً : لسنا بحاجة إلى علوم اجتماعية وإنسانية منتجه في الغرب، والمجتمع المدني هو مجتمع يتعارض مع الشريعة، ونحو ذلك. وينطلق هذا الموقف من إطلالة مثالية بأن المسلم لا يمكن أن يكون بحاجة إلى المنتجات النظرية والإنسانية والفلسفية للغرب، وينطلق تيار التجديد في ذلك من منطلق واقعي بأن العالم الغربي، وإن كان لا يتوافق معنا في (الإيمان الديني)، لكنه قد تفوق علينا بنهضته وحضارته واقتصاده وعلومه وآليات تفكيره، وأن هناك مساحة واسعة للمشتركات الإنسانية بين الحضارات والثقافات المختلفة وهو مدخل التواصل الإنساني المطلوب)). [مقال للأستاذ السكران منشور في كتاب الإسلاميون... سجال الهوية والنهضة ص 195].

وهو الواقع الذي يسدل عليه الأستاذ الفاضل نصائحه التي تقول فيها: ((وعلى أية حال فإن استقلال الإبداع لا يعني التوتر مع منتجات الحداثة الاقتصادية المعاصرة، ولا يعني أن يكون الفقيه مهجوساً بحمل النصوص والتعسف في تصويرها كنقيض للاقتصاد الغربي، ذلك أن القيام بأمانة البيان للناس وحمل رسالة الفقه الإسلامي النبيلة ليس مرتبطاً بمخالفة خبرات الإنسان، بل مرتبط بشكل أساس بتقديم أدق منظور فقهي يستوعب مراد الشارع ومقاصده العامة التي يحبها الله ويرضاها ويتغياها في أحكامه؛ كالعدل، والقيام بالقسط، ورعاية المصالح، ورفع الحرج، وإزالة الضرر، واعتبار العرف، وإظهار الدين ونحوها من الغايات الإلهية الشريفة)). [الأسهم المختلطة 18].

ـ الخطاب الشرعي والاستقلال السياسي:

يقول الأستاذ الفاضل في ورقته الأخيرة: [من الأمور التي يشيعها بعض مناوئي الخطاب الشرعي قولهم: (الخطاب الشرعي المعاصر مجرد تابع للنظم السياسية يحركها كيف يشاء، فيبيحون ما أراد السياسي إباحته، ويحرمون ما يريد السياسي تحريمه)، وبعضهم يقول بلهجة دارجة (مشايخنا الله يخلف عليهم ورا الحكومة اللي تبيه يقولونه)، ويذكرون لذلك بعض النماذج التاريخية لفتاوى تغيرت بهدف تدعيم رؤيتهم هذه].

ويواصل الحديث عن حجج بعض المناوئين في هذا الموضوع، والتي يقولون فيها: إن ((الخطاب الشرعي لا يتحدث عن احتياجات الناس والحقوق المالية، ومفهوم الفساد المالي، وكل ذلك مراعاة للسياسي، مما يدل على عدم الاستقلال)). فمن ذلك مثلاً، أن بعض الناس يقول ((الخطاب الشرعي يغالي في مسألة طاعة ولاة الأمور)).

لينتقل معي القارئ الكريم، وليقرأ النصوص التالية للأستاذ السكران، والتي يقول فيها:

((في بالي الآن عدد من الأسماء السلفية الرنانة التي صدَّعت أسماعنا بذلك في المجالس والندوات المغلقة ـ وبعضهم يكتب في الساحة السياسية بأسماء شبه معروفة ـ ولكن أخلاق الإسلام تأبى علي التصريح بما في المجالس.. بل كثير منهم يعتذر صراحة في المجالس والندوات للنظم السياسية العربية الفاسدة بأنه ليس في إمكانها أكثر مما صنعت أمام الإمبراطورية الأمريكية...

بل بلغ الحال ببعض السلفيين إلى التبجح في المجالس بعلاقاتهم الخاصة مع الأمراء والولاة, وأصبحت نغمة مألوفة أن ترى الواحد منهم يقول (قال لي الأمير فلان كذا.. وقال الأمير فلان كذا..)، يقولها بكل استرخاء وكأن شيئاً لم يكن!...

وقد استمرت السلفية الرسمية غير حساسة بتاتاً تجاه المصالح الأمريكية ومشروع الاستعمار الأمريكي, وغير قادرة أصلاً على التقاط موجات الهيمنة وفهمها, برغم صلاح قصدها في كثير من الأحيان، لكنه نقص الوعي الذي ضرب بعمق في الأفهام.. ولذلك أفتت المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية ـ بكامل حمولة زعامتها السلفية ـ بجواز الصلح مع إسرائيل وثار المسلمون في كل مكان على هذه الفتوى..

ثم لما هدأت الأمور، أعقبتها بفتواها الثانية في مشروعية ضخ ونشر القوات الأمريكية في المنطقة إبان أزمة الخليج.. وثارت الحركة الإسلامية حينها على هذه الفتوى..

ثم لما اندلعت أزمة لبنان وقف كثير من السلفيين في صف إسرائيل ضد المقاومة اللبنانية.. أؤكد أن كثيراً من ذلك قد يتم بحسن نية لكنه ينطوي على كثير من غياب الوعي...

والفقه السلفي المعاصر ـ للأسف ـ يخدم كثيراً مصلحة هذه النظم السياسية الفاسدة, فجمهور السلفيين المعاصرين يقفون موقفاً سلبياً من مفاهيم الشورى والمشاركة السياسية وتوسيع القاعدة الشعبية لاتخاذ القرار, فأفكار السلفيين المعاصرين تدفع باتجاه حرمان الأمة من المشاركة في صياغة واقعها...

ولذا يلاحظ المتابع أن النظم السياسية الفاسدة في العالم العربي تقمع الجهاديين, وتترصد للحركيين وتحصي أنفاسهم, أما السلفيون فهم الفرقة الوحيدة التي تتمتع بالقسط الأكبر من مناصب كبار العلماء, وإمامة الحرمين, ورئاسة الجمعيات الخيرية الرسمية, وإلقاء الدروس والدورات العلمية دون عرقلة ولا وساطات.. ونحو ذلك من هذه الامتيازات الفارهة...

فالمحصلة النهائية أن الفكر السلفي المعاصر يمنح النظم السياسية العربية مزيداً من الأوراق لتأكيد احتفاظها بالسلطة وانفرادها بها...

يعنيني كثيراً أن أوضح للقارئ الكريم خيطاً رفيعاً يفصل بعض السلفيات المعاصرة، كثيراً ما يتم خلطها ببعضها , ألا وهو الفرق بين "الجامية" و"السلفية الحكومية"..

فهاتان الفرقتان المعاصرتان يجمعهما تغييب الوعي عن "المنكرات السياسية" ويفترقان في المعركة البديلة, فالجامية تجعل المعركة مع "زلات الدعاة" والسلفية الحكومية تجعل المعركة مع "زلات المثقفين", ويشتركان كلاهما في التطبيل الخفي للنظم السياسية الفاسدة, وتعليق المنكرات على شماعة "الحاشية" و"البطانة" هربا من مواجهة الحقائق وتسمية الأشياء بأسمائها..

باختصار شديد.. الجامية والسلفية الحكومية تجعلان الصراع مع الطرف الأضعف , بينما يدعان القوي يسرح بالسلطة ويمرح, ولا يشك رجل شم أخلاق الإسلام ماتنطوي عليه هذه الممارسة من نقص في المروءة والرجولة.. )). [دور السلفية في ترسيخ المشروع الأمريكي، إبراهيم السكران].

هكذا نحن أمام حالة من الدفاع عن استقلال الخطاب الشرعي عن السياسي، تصادفها حالة من الهجوم الشامل كذلك؟

ومن المهم أن نلاحظ في هذه النصوص إلى أن الأستاذ السكران لا يحصر نقده على فرقة الجامية كما يسميهم، بل يحشر معهم (السلفية الحكومية)، والتي تضم العلماء الرسميين في هذا البلد كما هو صريح كلامه.

ومع أني لا أريد الدخول في تفاصيل النقاش حول صحة هذا الموقف الأخير ـ الذي من الضروري أن أبدي تحفظي عليه ـ لكني فقط أقول: هل يحق للقارئ أن يسأل الكاتب الكريم أين غابت هذه الأسماء التي كانت في باله، عندما أخذ في الدفاع عن حالة الاستقلال السياسي؟

أنتهي بآخر القضايا التي تعرض لها الأستاذ الكريم، والتي تدور حول:

الخطاب الشرعي ومعارك الصفات:

يقول الأستاذ الفاضل في ورقته الأخيرة: ((تتفق جمهور الطوائف الفكرية المعاصرة على نقد علاقة الخطاب الشرعي بمباحث "الأسماء والصفات الإلهية"، ويرون أن الخطاب الشرعي يقيم معارك لا داعي لها حول قضايا المعطلة والممثلة ونحوهم، في زمن نحن بأمس الحاجة فيه إلى تكثيف الجهود في قضايا المدنية والحقوق والأخلاق)).

هكذا الحال في دعوى المناوئين.

فلننظر إلى ما سطره الكاتب في أحد مقالاته حول معركة الصفات، حيث يقول: ((لكن حين تأخذ جولة سريعة في الدروس السلفية المعاصرة في علم العقيدة تتفاجأ حين ترى الدروس تمضي ساعاتها الثمينة في "صراع الأشباح" التي لا وجود لها أساساً...

أكثر شخصية حاضرة في تلك الدروس السلفية هو الجهم ومذهب الجهمية.. ولا والله مارأيت في حياتي كلها شخصاً جهمياً.. بل لا يعرف في تاريخ الإسلام مذهب له أنصاره وكتبه وتلاميذه باسم الجهمية.. وإنما هي مقالة تحكى بلا خطام عن شخصية غامضة ليس لها مؤلفات متداولة ولا تاريخ.. أما العالم الإسلامي اليوم فهو إما أشعري أو ماتريدي أو على مذهب أهل الحديث.. وهكذا تمضي ساعات طالب العلم ويستهلك جهده ووقته وعمره ـ الذي لن تزول قدماه يوم القيامة حتى يسأل عنه ـ في الرد على أشباح لا حقيقة لها ولا وجود...

بينما لو تقدم شاب مكلوم إلى أحد هؤلاء السلفيين المتصدين لدروس العقيدة بسؤال حول الفساد السياسي المعاصر وفتنة المسلمين بالاستعمار الأمريكي لتضايق من السؤال ووجه السائل إلى الاهتمام بتأصيل العقيدة أولاً!

ومتى كانت معركة الأشباح جزءاً من نور النبوة؟!

بالله عليك أخي القارئ الكريم: هل يمثل الرد على الجهمية والمجسمة ونظائرهم تهديداً للمصالح الأمريكية؟! وهذا ما يفسر لماذا استمرت أمريكا طوال السنوات الماضية في حماية ودعم آيديولوجية النظام السياسي الخليجي, وتمرير التمويلات الفلكية التي كان الخليج يضخها في طباعة كتب السلفيين المعاصرين في العقيدة..!)). [دور السلفية في ترسيخ المشروع الأمريكي، إبراهيم السكران].

بطبيعة الحال، نحن في هذه الفقرة أمام رأي حاد في الموقف من هذه القضية ـ وهو موقف بدون شك نبدي تحفظنا عليه ـ لكني أورده ليشاركني القارئ ملاحظاتي القادمة.

نعود إلى إشكالية (تحديد مفهوم المناوئين)، فنقول: هل مجرد ممارسة النقد للخطاب الشرعي / السلفي كفيل بأن يدخل صاحبه في خانة المناوئين؟ ولنتذكر كذلك وصف صديقه الملازم حين يقول ـ عمن وصف الأستاذ بأنه قد تغير في خطابه ـ: ((متى خرج حتى يعود!! أنا أعرف إبراهيم من أيام "ورقة المناهج" وإلى اليوم وبكل أمانة أن الرجل هو هو لم يتغير منهجه)). (يتبع)..

(الجزء الثاني)

(الجزء الثاني والأخير)

بعد هذه الجولة، أطرح تساؤلات ثلاث:

(التساؤل الأول):

كيف كان ينظر الأستاذ السكران لكتابته تلك، ويقومها من خلال ورقته (المناوئين)، هل كان يعتبر نفسه وهو يمارس هذا النوع من النقد واحداً من المناوئين، أم أنه كان يشعر ـ وهو يمارس دوره في النقد ـ أنه يقوم بواجب النصح والتوجيه لبعض جوانب القصور داخل الخطاب الشرعي / السلفي الذي ينتمي إليه؟

أليست تلك التحفظات التي كان يبديها على الخطاب الشرعي، كانت تنبع عن شخص سلفي يرى أن ثمة ما يحتاج إلى تقويم واستصلاح؟

إن كان الأستاذ السكران لا يرى تلك النصوص التي سبقت مدخلة له في وصف (المناوئين)، فلماذا ساق في مقاله السابق تلك الحجج، غير مميز فيها بين صنف المناوئين وغيرهم؟

وإن كان يعد نفسه واحداً من المناوئين في تلك النصوص، فهل يعني هذا أننا سنفقد المصداقية في أخباره وأحكامه الصارمة العارمة، التي كانت تبدأ بـ(ولا يشك من يعنيه أمر الفقه الإسلامي...) و(يجب على الفقهاء المعاصرين... )، و(يلاحظ المتابع موقفاً مترعاً بالمفارقة) و(في بالي الآن عدد من الأسماء السلفية الرنانة). (لا يشك رجل شم أخلاق الإسلام ما تنطوي عليه هذه الممارسة من نقص في المروءة والرجولة). و(ولا والله ما رأيت في حياتي كلها شخصاً جهمياً...).

هل كنت ـ عندما تحمل تلك الأحكام ـ تنطلق من غير متابعة، مع أنك تشير إليها، ومن غير يقين، ومن غير واقع، مع أن في بال صاحبها (أسماء)؟

ألا يحق لنا أن نقول إن حشرك الجميع حتى من يستعمل العبارة الانتمائية (مشكلتنا...)، كان نوعاً من الظلم قد يتعدى إلى أناس هم من أكثر المدافعين عن المنهج السلفي!!

إن شعور الغيرة على الخطاب الشرعي، لا يسوغ أن نتعدى ونظلم الآخرين ونصفهم بما ليس فيهم، يقول ابن تيمية: (والشيطان يريد من الإنسان الإسراف في أموره كلها، فإنه إن رآه مائلاً إلى الرحمة زين له الرحمة حتى لا يبغض ما أبغضه الله؛ ولا يغار لما يغار الله منه، وإن رآه مائلاً إلى الشدة زين له الشدة في غير ذات الله حتى يترك من الإحسان والبر واللين والصلة والرحمة ما يأمر به الله ورسوله، ويتعدى في الشدة فيزيد في الذم والبغض والعقاب على ما يحبه الله ورسوله : فهذا يترك ما أمر الله به من الرحمة والإحسان وهو مذموم مذنب في ذلك، ويسرف فيما أمر الله به ورسوله من الشدة حتى يتعدى الحدود وهو من إسرافه في أمره، فالأول مذنب، والثاني مسرف ?إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ? [الأعراف:31]، فليقولا جميعًا: ?رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ? [آل عمران:147]...). "الفتاوى" (15/292-293).

(التساؤل الثاني):

أليس من الإنصاف والموضوعية أن نضبط مفهوم المناوئة، بأنه: مخالفة المنهج ومناصبة العداء، والنقد بقصد الهدم.

فنفرق بين النقد الذي يمارس من أجل الهدم والتشويه وتصفية الحسابات وبين النقد الذي يمارس من أجل التصحيح والتطوير، والذي يستصحب معه إيمانه بمنهجه السلفي، والتزامه بقواعد النظر والاستدلال الشرعية العلمية، لكنه لا يعطيه مسحةً من الغلو والتقديس الذي يضيع الحقيقة ويخالف الواقع؟

(التساؤل الثالث):

هل يمكننا القول، إن نقد الأستاذ السكران في كلا خطابيه المدافع والناقد، يتسم بقدر من الحدية في المواقف؟ وهل هذا يعني أن المزاج الذي يحكم كلا النظرتين، مزاج حاد النظرة والحكم والتوصيف؟ وهل هذا سيدعونا إلى أن نعيد النظر في المزاج الفكري الذي ينتج من خلاله الأستاذ السكران أفكاره؟

لا أريد من كل ما سبق، أن أتبنى رأياً موافقاً للأستاذ السكران في كلتا حالتيه، اللتين لا تعبران عن موقف موضوعي معتدل في عدد من مواضعها. إنما أردت هنا أن أبرز الحالة الفكرية التي يكتب بها صاحبنا، والنفسية التي تحكم الغيرة الشرعية عند الأستاذ الفاضل.

وعندما أقول إنه يحمل مزاجاً حاداً، فلست هنا مدافعاً عن أعداء الخطاب الشرعي، وإنما في صدد تقييم حصر الأستاذ تلك الدعاوى في صنف واحد وعدم فرزها الفرز العلمي الصحيح.

*الإشكالية الثانية: (الأجوبة ومعايير الموضوعية)

لاشك أن الأستاذ الفاضل حاول الجواب عن عدد من حجج المناوئين، وقد وفق في كثير من أجوبته، ولم يسلم من الإشكالية في أجوبة أخرى.

ولتوضيح إشكالية هذه الأجوبة، أستحضر تصويراً جميلاً يستعمله مالك بن نبي قد ينفعنا في توضيح المراد، فالوضع الذي قدم فيه الأستاذ الفاضل بعض أجوبته مثل أضواء المسرح عندما يتحكم القائمون عليه بتسليط الأضواء الكاشفة على جزء منه وتغييب هذا الضوء عن جزئه الآخر، أي إضاءة النقطة التي يريدها صاحبها، ثم يبقي ركن المسرح الآخر يغمره الظلام، وفي هذا الركن بالتحديد، تكتمل الصورة.

هكذا الحال في بعض أجوبة الأستاذ الفاضل، يُسلط الأضواء على جوانب مميزة ومضيئة ورائعة، لكنه يخفت الإضاءة عن جوانب أخرى.

إن الإضاءة التي وجهها الأستاذ الفاضل في أجوبته إضاءة صادقة، لكنها قاصرة، لأنها تجاهلت أشياء أخرى كانت محل نظر ونقد يقدمه غيورون مثله، يشتركون معه في المنهج والهدف والغاية.

هذه الحالة تكثر من الواصفين لواقعنا السلفي، نقول أشياء صحيحة، ونخفي أشياء أخرى أو قد لا نقبلها. وفي قريب من هذه الحالة، يقول ابن تيمية: (وأنت تجد كثيرًا من المنتسبين إلى علم ودين لا يكذبون فيما يقولونه، بل لا يقولون إلا الصدق، لكن لا يقبلون ما يخبر به غيرهم من الصدق...). "منهاج السنة" (7/193.192).

ويقول في موطن آخر: (فعلى الإنسان أن يصدّق بالحق الذي يقوله غيرُه، كما يصدق بالحق الذي يقوله هو، ليس له أن يؤمن بمعنى آيةٍ استدل بها، ويردّ معنى آيةٍ استدل بها مُناظِرُه، ولا أن يقبل الحق من طائفةٍ، ويردُّه من طائفةٍ أخرى). "درء التعارض" (8/404).

إن اختلاف الإضاءة من مكان إلى مكان هو الذي جعل الأستاذ السكران في مرة من المرات، يقول ـ كما في ورقته الأخيرة ـ: ((ولذلك كنت حين أسمع شخصاً يردد بعض هذه المقولات النقدية، فإني أفضل دوما أن أبدأ بالسؤال المنهجي: هل فعلاً أجريت دراسة مسحية أو استطلاعيه ـ ولو كانت عابرة ـ على منتجات الدروس الشرعية والبحوث التي ينتهجها الباحثون الشرعيون؟ وكنت دوماً أتفاجأ بردود مخيبة للآمال...)).

فهو هنا يظهر لنا مسحاً واستطلاعاً يثبت تقييما حول ما ينتجه الخطاب من دروس شرعية. لكنه يأتي موطن آخر ويعطي حكما مختلفاً، بناء على ذات المنهجية، وهي الاستطلاع والمسح في صورته العابرة والسريعة، فيقول: ((حين تأخذ جولة سريعة في الدروس السلفية المعاصرة في علم العقيدة، تُفاجأ حين ترى الدروس تمضي ساعاتها الثمينة في "صراع الأشباح" التي لا وجود لها أساساً...)). [دور السلفية...].

إن الذي جعل النتيجة تختلف هو نوع الإضاءة الموجهة. وهذه الإضاءة ـ أيضاً ـ هي التي جعلته يقول في تقييم البحوث المعاصرة حول الظواهر المالية في ورقته، أنه أمام ((أكداس غزيرة من الدراسات الشرعية الممتعة))، وهي ذاتها التي جعلته يقول في النص الثاني أنه أمام ((أحد المساحات الموات الجرداء التي لم يتم إحياؤها)) [الأسهم المختلطة].

إنه من المؤكد أن إضاءة جميع أركان المسرح ستكشف الصورة، الجميل منها وغير الجميل، لكن هذه الإضاءة بكل تأكيد ستكون مزعجة لأطراف كثيرة، لا يحبون أن تضاء جميع الأركان، وقد يتحمل قائلها من ظلم الجماهير ما لا تتحمله نفسه ولا تطيقه قواه.

*الإشكالية الثالثة: (الخطاب الشرعي وسؤال التقصير)

لا أخفي القارئ أنني فرحت عندما رأيت الأستاذ الكريم يتعرض في آخر ورقته لسؤال التقصير، ليس لأنني أقصد إلى أحب تشريح خطابنا الشرعي / السلفي، وإنما لأنني أريد من كاتب فاضل مثل الأستاذ السكران أن يكون أكثر إنصافاً وموضوعية، وهذا الإنصاف هو الذي سيقود كثيراً ممن انطلت عليه تلك الحجج إلى الإيمان بأننا نملك جواباً علمياً موضوعياً.

أما عندما يرى هؤلاء أننا نظهر أشياء ونخفي أخرى، فإننا سنفقد الثقة والمصداقية المطلوبة في خطاب الدفاع والدعوة والإقناع التي نتصدى لها. لكن جواب الأستاذ الفاضل على سؤال التقصير جاء جواباً مختزلاً إلى درجة ملفته، وسبب ذلك أنني وجدته يحصر الجواب عن هذا التقصير في الكمية، ويصمت عن الكيفية. أي أن بحوثنا في أبواب المعاملات والحقوق والأخلاق و.. و.. تحتاج إلى زيادة عدد لأنها غير كافية، فنحن فقط بحاجة إلى تكثيف الجهود في كل الحقول السابقة.

وهنا يحق لي أن أتساءل ألسنا بحاجة إلى أشياء أخرى... ألسنا مقصرين في نواحي أخرى من تلك الجوانب السابقة، ثم هل هذا الجانب الذي ذكره هو الجانب الأهم من جوانب القصور؟

لا أشك أن الجواب الواضح عن هذا السؤال ـ كما سبق ـ، سيحمل الأستاذ الفاضل عناء المعارضين، وقد يعرضه إلى حالة من الغضب ممن لا يطيقون أن يسمعوا شيئاً من نقد الممارسات العملية للواقع الشرعي / السلفي، لأن الكثير منهم وبكل بساطة يربط بين نقد الممارسة ونقد المنهج.

وهل من الموضوعية والعلمية أن نعتبر أن دفاعنا عن الخطاب الشرعي لا يكتب له النجاح حتى نبرئه من قصوره الحقيقي؟

إننا بكل اختصار نريد الدفاع، لكن الدفاع الذي يتسم بقدر من العقلانية و الموضوعية والصراحة، الموضوعية التي تدعو إلى أن لا نحشر الناس في زمرة واحدة، الموضوعية التي تدعو لأن نبين جوانب الضعف والقصور كما نبين جوانب القوة والنجاح، الموضوعية التي تستشعر أمانة الإطلاق للأحكام والأوصاف.

إن الشعور بالتقصير وحضور مطلب النقد والإصلاح موجود في تاريخ وحس المصلحين، إن هذا الشعور لا يعني عند المصلحين إلا نوعاً من تدعيم المنهج وقوته في فترات الضعف التي تمر به.


ولعل ابن تيمية، وهو الأنموذج السلفي الكبير الذي لا يفتأ الجميع ممن ينتسب إلى هذا الفكر، إلا ويستصحب مقولاته في بيان أسس هذا المنهج، قد أدى هذا الدور في صورته الدفاعية والنقدية معاً.

إن ابن تيمية لم يحمله الانتساب إلى المنهج السلفي أن يسكت عن بعض أخطائه حتى في تصور المنهج، ولذلك تجده يقول: (فإن المنتسبين إلى السنة والحديث ـ وإن كانوا أصلح من غيرهم من أشباههم، فالسنة في الإسلام كالإسلام في الملل، كما أنه يوجد في المنتسبين إلى الإسلام ما يوجد في غيرهم، وإن كان كل خير في غير المسلمين فهو في المسلمين أكثر، وكل شر في المسلمين فهو في غيرهم أكثر، فكذلك المنتسبة إلى السنة ـ قد يوجد فيهم ما يوجد في غيرهم، وإن كان كل خير في غير أهل السنة فهو فيهم أكثر، وكل شر فيهم فهو في غيرهم أكثر). "الفتاوى" (12/456.455).

ويقول عن تقييمهم: (...تارة بأن لا يعرفوا معاني نصوص الكتاب والسنة، وتارة بأن لا يعرفوا النصوص الصحيحة من غيرها، وتارة لا يردون ما يناقضها ويعارضها مما يسميه المعارضون لها العقليات... وكثير من المنتسبين إلى السنة المصنفين فيها لا يعرفون الحديث ولا يفقهون معناه... وقد رأيت غير واحد من المصنِّفين في السنة على مذهب أهل الحديث من أصحاب مالك وأحمد والشافعي وغيرهم من الصوفية وأهل الحديث وأهل الكلام منهم يحتجون في أصول الدين بأحاديث لا يجوز أن يُعتمد عليها في فضائل الأعمال، فضلاً عن مسألة فقهٍ، فضلاً عن أصول الدين). "الصفدية" (1/287.286).

ويقول في موطن آخر: (فالمنتسبون إلى أهل الحديث والسنة والجماعة يحصل من بعضهم، كما ذكرت، تفريط في معرفة النصوص أو فهم معناها أو القيام بما تستحقه من الحجة ودفع معارضها، فهذا عجز وتفريط في الحق، وقد يحصل منهم دخول في باطل: أما في بدعة ابتدعها أهل البدع وافقوهم عليها واحتاجوا إلى إثبات لوازمها، وأما في بدعة ابتدعوها هم لظنهم أنها من تمام السنة...). "الصفدية" (1/393.392).

ويقول: (وإذا قابلنا بين الطائفتين ـ أهل الحديث وأهل الكلام ـ فالذي يعيب بعض أهل الحديث وأهل الجماعة بحشو القول؛ إنما يعيبهم بقلة المعرفة، أو بقلة الفهم، أما الأول: فبأن يحتجوا بأحاديث ضعيفة أو موضوعة، أو بآثار لا تصلح للاحتجاج، وأما الثاني: بأن لا يفهموا معنى الأحاديث الصحيحة، بل قد يقولون القولين المتناقضين، ولا يهتدون للخروج من ذلك.

ولا ريب أن هذا موجود في بعضهم؛ يحتجون بأحاديث موضوعة في مسائل "الأصول والفروع"، وبآثار مفتعلة، وحكايات غير صحيحة، ويذكرون من القرآن والحديث مالا يفهمون معناه، وربما تأولوه على غير تأويله، ووضعوه على غير موضعه.ثم إنهم بهذا المنقول الضعيف، والمعقول السخيف، قد يُكَّفِرون ويُضَلِّلون، ويُبَدِّعون أقواماً، من أعيان الأمة، ويُجِّهِلُونهم، ففي بعضهم من التفريط في الحق، والتعدي على الخلق، ما قد يكون بعضه خطأ مغفوراً، وقد يكون منكراً من القول وزوراً، وقد يكون من البدع، والضلالات التي توجب غليظ العقوبات، فهذا لا ينكره إلا جاهل، أو ظالم، وقد رأيت من هذا عجائب، لكن هم بالنسبة إلى غيرهم في ذلك , كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل)، "الفتاوى" (4/23-25).

ولم يمنعه انتسابه إلى الحنابلة أن يقول فيهم: (وفي الحنبلية أيضًا مبتدعة؛ وإن كانت البدعة في غيرهم أكثر، وبدعتهم غالبًا في زيادة الإثبات في حق الله، وفي زيادة الإنكار على مخالفهم بالتكفير وغيره...). "الفتاوى" (20/186-187). وغير ذلك من المواطن المهمة التي تعرض فيها ابن تيمية لأهل الحديث والمنتسبين للسنة بالنقد والتصحيح.

أختم هذه الجزء من المراجعة لألخص فكرتي فيما يلي:

أن الورقة الأستاذ الفاضل خلطت بين النقد الصحيح الذي يمكن أن يخرج من الشرعي / السلفي، والنقد المغرض الذي يخرج من غيره؟ وهي كذلك لم تكن صريحة في بيان قصور الخطاب الشرعي في جوانب عديدة موجودة في ذهن الكاتب، كما وضح ذلك في مقالات سابقة.

وربما يأتي في بحث آخر، مراجعة تفصيلية لبيان مواطن النجاح ومواطن القصور الحقيقي في الخطاب الشرعي / السلفي في القضايا التي تعرضت لها ورقة الأستاذ السكران.

وسنقارن هناك ليس بين كلام الأستاذ السكران بعضه مع بعض، وإنما بين كلامه عن تلك المجالات السابقة وبين كلام أصحاب الاختصاص أنفسهم في تقييم تجاربهم في تلك الحقول.

لننظر كيف ينظر أولئك المتخصصون إلى جوانب القصور في حقولهم، وهل هي محصورة في جانب الكمية أي: أنهم بحاجة إلى مزيد من البحوث والمشاركة؟ أم في جانب الكيفية أي في قيمة المخرجات ومدى نجاح المنهجية التي تقوم على ممارسة هذا النوع من النشاط؟ أم في الجانبين معاً؟

كما سنشير ـ هناك ـ إلى نجاح الأستاذ الكريم في الرد على مروجي النسخة المزيفة من الإمام الشاطبي في مقابل النسخة الحقيقة التي لا تساعد المناوئيين الحقيقيين على ترويج أفكارهم.

أخيراً، نحن بحاجة إلى الدفاع عن الخطاب الشرعي / السلفي... لكننا بحاجة أيضاً إلى أن لا يتحول الدفاع إلى عملية تخدير تصيبنا بحالة من عدم الإحساس الحقيقي بقصورنا، هذا التخدير الذي قد يسكن الألم، لكنه لا يزيله وإنما يؤجل الإحساس به إلى وقت آخر، حيث تجتمع الآلام علينا دفعة واحدة. (تذييل: حول تراجع أ. السكران).

بعد أن كتبت هذا التعقيب، كتب الأستاذ الفاضل إبراهيم السكران تعقيباً في [مجموعة عبدالعزيز قاسم البريدية] يذكر فيه أنه تراجع عن جميع مقالاته التي كتبها قبل ورقته (مآلات الخطاب المدني). فكتبت تعقيبا على ذلك هذا نصه:

شكر وتساؤل ورجاء:

بداية أشكر أخي الأستاذ السكران على ثنائه على تعقيبي ومدى إفادته، كما أحيي فيه تلك النفس العالية التي لا تجد غضاضة من تصريحها بتراجعها عما تعتقد أنها أخطأت فيه، غير أني لا أخفيه ولا أخفي القارئ أن الأستاذ الفاضل تجاوز جميع التساؤلات التي طرحتها في الورقة ليكتفي بإعلان تراجعه عن تلك الأفكار التي كان قد قالها من قبل.

وقد كنت أحسب أنني بينت مقصودي من عقد تلك المقارنة بين كلامه، وذكرت في تعقيبي طبيعة التساؤل الذي كنت أجري من أجله تلك المقارنة التي لا يهمها البحث في تراجع الكاتب عن أقواله من عدم تراجعه، وإنما

Reply · Report Post