#BAHRAIN #14feb #BHGenocide
لن تمحو ذكرنا

طغاة العالم، قتلته وسفاحوه، مجرموه المتكالبون لسحق الانسانية وتدمير الحياة، لا ينفكون ولو للحظة واحدة منذ بزوغ شمس البشرية وإلى يومنا الحالي من أن يفعلوا كل ما بوسعهم من أجل تثبيت سلطانهم ولو أدى ذلك لبحور من الدماء تعوم عليها عروشهم.

فرعون مصر، النمرود، هتلر، صدام، المتوكل العباسي والأمثلة تطول، كلهم مارسوا الإجرام بأبشع مفرداته، منهم من أحرق معارضيه، منهم من اغتصب النساء وقتل الأطفال، منهم من وضع معارضيه في إسطوانات البناء وهم أحياء وصبها عليهم، منهم من اخترع المفرمة البشرية وجعل باقي الأحشاء المتقطعة سماداً للزراعة، ومنهم ومنهم ومنهم ...

ورغم كل هذه الفظائع التي يندى لها الجبين، لم يستطع كل هؤلاء القتلة أن ينتصروا مع وجود كل القوة الأمنية وتزوير التاريخ لصالحهم بسبب نفوذهم ومصالح المرتبطين معهم، ولكنهم هزموا شر هزيمة، بل أصبحوا لعنة التاريخ التي ما مر انسان متجرد من مصالحه وفكره الطائفي والعرقي إلا وشهد بخسرانهم الأبدي.

فكم من مقيدٍ غلب بقيوده الذي قيده، وكم من سجينٍ خلدته غياهب السجون بطلاً هزم طامورة الظالمين، وكم من معلقٍ عارياً بلا ثياب سطر بصبره وحلمه ملحمة الإباء والتضحية.

والأمثلة بالتاريخ متعددة، لنا منها نماذج لؤلؤية الخلود، منهم ويليام والاس، بطل أسكتلندا الذي قاتل الإنجليز في وطنه إلى أن حررها وزحف إلى أراضيهم مقاتلاً صلباً حتى خانه بعض مترفي بلده وسلموه لملك إنكلترا مقابل الجاه والألقاب، ذات الملك الذي قتل عائلته وزوجته وبعد أن أسره أعدمه وقطع رجليه ويديه وصلب جذعه على بوابة قصره، ولكن هيهات ما كان انتصاراً للقاتل، فالمقتول خلده التاريخ بلقبٍ لا مثيل له فهو "القلب الشجاع" الذي صرخ في آخر لحظات حياته من أعماق روحه "الحرية" بينما لا يوجد ذكر في التاريخ للسفاح الذي قطع أوصاله، الملك الذي أصبح نسياً منسياً.

ومثال آخر لإنتصار الأسير على من عذبه، هو بطل التحرر الثائر نيلسون مانديلا، والكل يعلم كم عانى في سجنه من عذابات خاصة لا يتحملها بني البشر، ٢٨ عاماً وأكثر بالسجن عاش أغلبها مكبلاً بأصفاد الحديد الثقيل طوال يومه وكثيراً ما قضى حاجته أو نام والأصفاد تحيط برقبته ويديه ورجليه. هكذا أفنى مانديلا زهرة شبابه وكهولته أسيراً، ما تنازل عن حقوقه ولا عن قيادته للجناح العسكري في حزبه ولا تراجع عن مطالبه بالعدالة والمساواة بين الييض والسود، فأثمر صبره نصراً مؤزراً جعله من بين الشخصيات النادرة التي يعرفها كل طفل وشيخ بالعالم ويقف احتراماً لشجاعتها وثباتها عرفاناً بجميلها الأبدي على كل البشرية.

ولعل أروع أمثلة انتصار الأصفاد على الجبابرة، وانهيار جدار العبودية والذل رغم الأسر والسبي والتعذيب والتنكيل، هو ما حدث لركب الحسين عليه السلام بعد حادثة الطف، موكبٌ يقوده القتلة ويمشي به النساء الأيامى والاطفال اليتامى، ليس معهم إلا رجل واحد عليل مكبل بالأصفاد وجامعة الحديد تم لحمها بجلده من رقبته حتى صدره وظهره، يُضربون بالسياط إن سقط أحدهم، ومَن برقبته بداية سلسلة الذل هو زين العابدين العليل المتعب اليتيم بلا أب ولا أم ولا إخوان، ونهاية هذه السلسلة برقبة الحوراء زينب، تعالج بدموعها عذابات السجاد، تمسح بيديها على قلوب المفجوعات، تحافظ على من تبقى من البيت النبوي وتفتديهم بروحها إن استوجب الأمر.

 وعلى وقع هذه المهانة الرهيبة بعد العز والدلال، وصل الركب الحزين للشام بآلامه، وصل والشماتة تستقبل أهل البيت والأفراح والرقص يحيط بهم، حتى أدخلوهم على يزيد الذي أمعن في إهانتهم وإذلالهم، وفي قمة المأساة حانت لحظة الانتصار، فكل ما جرى بالطف وما قبله وبعده جاءت لحظته الحاسمة، لحظة النصر، لحظة انكسار الشامتين في جبروت طغيانهم، لقد مرغت زينب أنف يزيد بالحضيض، خلدت نصر الحسين المعفر على ثرى كربلاء على يزيد المنعم في قصور الشام، وقالتها مدوية: فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا.

هذه مدارس الصمود انتصرت مدى التاريخ، فالقيود لا تعني الهزيمة لمن لديه مبادئ، فهي ليست إلا قلادة النصر الدائم وهزيمة السجانين، وما زنازين الطغاة إلا معابد للنصر المبين، فهنياً لكل رمز وحر وحرة تعذبوا في طوامير آل خليفة، بخٍ بخٍ لكم يا قرة العين، ولا تبالوا بالحديد الذي تقيدون به، فصبركم على أبشع أصناف التعذيب والإهانات هي السقوط العملي الواقعي لنظام عصابات الإرهاب المدعوم خليجياً ودولياً، وليكن شعاركم شعار الحوراء في قصر يزيد وهي منتصرة بالأصفاد وهو جالسٌ منعمٌ مهزومٌ فوق عرشه البالي:
والله ثم والله يا آل خليفة .. لن تمحو ذكرنا.

ليث البحرين
٣-٢-٢٠١٢

Reply · Report Post