البحرين : مأزق الحكم


وفيه عدة محاور او مآزق:
١- مأزق الحكم مع امريكا، فامريكا تعتبر البحرين من مناطق نفوذها الاستراتيجية والهامة ولعدة اسباب، منها وجود الاسطول الامريكي الخامس بالاضافة الى موقعها القريب من اكبر مصادر النفط في العالم ( ٣٠ كيلومتر تقريبا ).
امريكا في الواقع لا تهتم كثيرا لحقوق الانسان في البحرين، لكنها تهتم وبدرجة الجنون لمصالحها، والبحرين كحالة متأزمة تشكل تهديد لتلك المصالح، فغالبية سكان البحرين من الشيعة وهذا يجعل منها هدف محتمل للتدخل الايراني والسيطرة عليها ( ومثال العراق شاخص امام الجميع )، لذلك لايمكن لامريكا السماح باستمرار الازمة، وبالتالي وجود بيئة خصبة للتدخل الايراني، فمع القمع الشديد للشيعة في البحرين وادارة الدول العربية ظهورهم للشيعة البحرينيين، لايبقى من متنفس امام الشيعة الا ايران التي ستكون فاتحة ذراعيها لهم.
امريكا تعرف ذلك فقد شهدت نفس السيناريو في العراق، لذلك هي تتدخل وتضغط ولو ( بلطف حاليا) لانهاء الازمة، من جهة اخرى ان بقاء ازمة البحرين قائمة وبقاء الامريكان على موقفهم الخجول يدخلهم في ازمة مصداقية امام العالم وقد تجعلهم يخسرون بعض من المكاسب التي يخططون لكسبها من الربيع العربي، فلايمكن ابدا تبرير موقفهم الهزيل من ثورة البحرين وكيلهم بمكيالين.
من هنا لابد ان تضغط امريكا على الحكم ان عاجلا ام آجلا.

٢- مأزق الحكم مع نفسه، وهنا اقصد المأزق داخل العائلة الحاكمة نفسها، فمسألة وجود تيارين داخل العائلة الحاكمة اصبحت بوضوح الشمس، فهناك تيار لايزال يرى البحرين من منطلق كونها غنيمة حرب تمتلكها العائلة الخليفية هي ومن عليها، ويحق للقبيلة التي غنمتها ان تفعل بها ومن عليها ما تريد، وهناك من يرى ان عصر الغزو والقبيلة انتهى ولابد من تجديد في اسلوب الحكم من خلال اعطاء الناس جزء من الحكم لكي تسير الامور.
طبعا الطرفين يتشاركان نفس الهدف وهو ابقاء حكم قبيلتهم قائم رغم انهم مختلفين في الاسلوب، فالطرف الاول يرفض رفضا قاطعا التنازل عن اية صلاحية يمتلكها وفي سبيل ذلك استدعى الفزعة من دول الخليج التي لبت النداء ووقفت معه مشكلة ضغط هائل على الحكم بصورة عامة، اما الطرف الثاني فهو ينادي ويدفع تجاه الاصلاح، لاحبا في الاصلاح بل بسبب الادراك ان الاوضاع بلا اصلاح ستؤدي الي زوالهم او الى هدم الدولة، فسلمان بن حمد مثلا ليس اصلاحي بسبب قناعته بالاصلاح قدر ما هو اصلاحي بسبب خوف من وراثة بلد خراب.

٣- مأزق الحكم مع مواليه، وهذا المأزق له وجهان، الاول هو ان الحكم خلق مارد سني نهم لايشبع، خلق مارد لا على اساس الولاء بالقناعة بل على اساس الولاء بالمصلحة، فجل تجمع الفاتح تجمعوا بسبب اولا خوف على مصالحهم ومميزاتهم وثانيا بسبب الوعود بالمال والرفاهية التي كانت تنثر عليهم نثرا، وهنا بات الحكم اليوم يرى نفسه امام مارد لايشبع بل ولا يستطيع اشباعه فمهما اعطاه سيقول المارد الغبي اعطني المزيد فانا من حمى لك عرشك وانا من دفع الشر عنك.
اما الوجه الآخر للمأزق هو وجود هذا المارد في لب المشكلة الحقوقية، فالمارد السني هو من ضرب ارزاق الناس لكي يأخذ مناصبهم، وهو من عذب الثوار في السجون عندما كان افراده يرتدون لباسهم الرسمي العسكري وهو من شوه ومن انتهك، لذلك لابد من ضرب هذا المارد ان ارادت الحكومة حل المسألة الحقوقية في البحرين، فهي لابد لها ان تعاقب من قتل ومن عذب ولابد لها تأخذ المناصب من ابناء المارد وتعيدها الى اصحابها الحقيقيين، والسؤال هل يستطيع الحكم فعل ذلك؟؟ هل يستطيع ان يتخلص من المارد ويضحي به بينما الثورة لاتزال قائمة ؟؟

٤- مأزق الحكم مع المعارضة، الحكم يدرك تماما ان غالب الشارع هو في يد الوفاق، ولكنه يدرك ايضا ان هذا الغالب من الشارع هو في تقلص يوم بعد آخر، وهو يدرك انه ان لم يعطي الوفاق ما تريد فانها ستفشل وسيهجرها الشارع الى من يمتلك خيارات اخرى غير خيار اصلاح النظام، وهو يدرك ايضا ان الوقت ينفذ منه ومن الوفاق.
نعم الحكم يدرك ذلك كله، ويدرك مسألة الوقت ومع ذلك هو يلعب تلك اللعبة الغبية والقديمة حيث يقوم بتقديم الفتات مع القمع، فان قبلنا فبها وان لم نقبل يقوم بزيادة الفتات قليلا ومعه القمع وهكذا الى ان نقبل.
اعتقد جازما ان الحكم انتبه الى ان هذه اللعبة القديمة لن تنجح، لكنه اكتشف ذلك متأخر قليلا ومع وجود ضغط عامل الوقت.
فالحكم الآن اما ان يتفاهم مع الوفاق وفي نفس الوقت يحل وبشكل كبير وسريع الملف الحقوقي العالق او انه سيواجه المزيد من الاحتجاجات التي تكبر يوما بعد يوم ( على عكس ما يريد ) والتي لايضمن احد ( ولا حتى الوفاق ) اي شكل جديد ستأخذ.

٥- مأزق الحكم مع مؤسسات المجتمع المدني الخارجية، لم يكن الحكم ليتصور انه سيواجه هذا العدد الكبير من مؤسسات المجتمع المدني ( اتحادات نقابية، محامين، حقوقيين ، اعلاميين ) عندما بدأ حملة القمع المنظم، ولم يكن ليتصور قدرة الشعب الكبيرة على التواصل الخارجي، تلك القوة التي فتحت ابواب الجحيم على الحكم، فبات عاجز عن اخفاء ما يجري او تبييض وجهه، وبات عاجز عن صرف الانظار ولو قليلا عما يجري هنا، والمشكل الحقيقي الذي تسببه كل تلك المؤسسات هو الضغط الذي يتولد في العالم بسبب عملها المتواصل لفضح الحكم و لاحراج من يقف معه، مما جعل الحكم وبشكل دائم قابع تحت ضغط كبير ومن دول عديدة.


الخلاصة:
كتبت هذا الموضوع لابين لبعض الذين يعتقدون ان الحكم واضع يده في ماء بارد حقيقة الامور، فالحكم في مأزق فعلي مع وجود كل هذه الضغوط ابتداء من امريكا ( حليفه القوي ) والتي اعتقد بانها ستزيد من ضغوطها عليه في الايام القادم، الى ضغط الشارع والمعارضة مرورا بضغط العائلة الحاكمة والموالين.
نعم الحكم في مأزق واي حل سيختاره سيخرج به خاسر لا محالة ان كان هدفه هو العودة بالاوضاع الى ما قبل ١٤ فبراير او الابقاء عليها كما هي اليوم.

Reply · Report Post