كل الإحترام والإجلال لقوات الأمن الأردنية على جهودها في اليومين الماضيين، لقد حاولت جاهدة إحتواء المواقف المتباينة بين جماعة 24آذار، وجماعة نداء الوطن، وبعض البلطجية، ولقد قامت بواجبهاعلى أحسن وجه ولكن حدث ما كان هو متوقعا:

من يقرر النزول إلى الشارع لفرض رأيه بالقوة (بغض النظر عن صلاحية أفكاره من عدمها) ويقرر أيضا إعتزال طاولة الحوار والمفاوضات، فإنه بذلك يقوم بإستفزاز الآخرين (سواء عن قصد أو دون قصد) الذين لا يوافقونه في الرأي ويجعلهم ينزلون أيضا إلى الشارع والإحتكام إلى قوانينه في محاولة كل من الطرفين لفرض رأيه على الآخر بالقوة.

من الجميل والمشجع أن تكون هناك مسيرات وتظاهرات تعبر عن آراء فئات الشعب المختلفة، وهذا حق يكفله لنا الدستور الأردني ويجب على الحكومة والشعب بكافة أطيافه الإستماع إلى هذه المطالب ومناقشتها بموضوعية وعملية والأخذ بها في حالة كانت تصب في مصلحة الوطن والشعب. ولكن أن تتحول هذه المسيرات والتظاهرات إلى اعتصامات مفتوحة (وأركز على كلمة مفتوحة) فإن ذلك يصب في خانة زرع الشقاق بين أبناء الشعب الواحد، وخلق جو من البلبلة والفوضى وعدم الإستقرار.

إن كافة الأطراف في المظاهرات التي شهدها الأردن في اليومين الماضيين من جماعة 24 آذار ونداء الوطن وحتى "البلطجية"، يتفقون حول هدف "الإصلاح في الأردن" ولكنهم يتعارضون في طرق تحقيق هذه الإصلاحات. إن جميع الأطراف أردنيون ولديهم الحق في التعبير عن آرائهم ولكن ذلك يجب أن يتم عن طريق الإحتكام فقط إلى لغة الحوار وطاولة المفاوضات وإحترام الرأي والرأي الآخر، ولكن بكل تأكيد ليس عبر النزول والإحتكام إلى قوانين ولغة الشوارع.

كما يجب علينا أن ندرك من الأحداث التي حصلت اليوم أن طبيعة معظم الأشخاص في الأردن يميلون إلى مبدأ "الخاوة" في فرض الأراء والأفكار. سواء كان ذلك عن طريق الضرب وقذف الحجارة أو عن طريق العناد والإستفزاز اللغوي. وأيضا أن الجميع يدعي أنه يمثل الأغلبية المطلقة ويطلق لقب "الخونة" و "الكفار" و"البلطجية" و"الأغبياء" وغيرها من المسميات على الآخرين من المعارضين لآرائهم او أساليبهم. لذلك يجب علينا التعلم من أخطائنا وتجنب الإنجرار إلى الأحداث التي قد تخلق مشاحنات بين أفراد الشعب الواحد. هنالك طرق أخرى سلمية ومقبولة لدى الجميع لطرح ومناقشة الأفكار المختلفة.

إن الأردن دولة ديموقراطية وإن كانت هذه الديموقراطية ليست كاملة 100%. ولكن هذا الانجاز بحد ذاته هو إنجاز عجزت بقية الدول المجاورة لنا عن تحقيقه، وجميعهم يعيشون حتى الآن في ظل قانون الطوارئ لأكثر من 15 عاما. وحتى إن أردنا تحقيق الديموقراطية شبه الكاملة مثل الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذا الأمر استدعى من الأمريكيين العمل 200 سنة من أجل تحقيقه. ومع هذا كله، فما زال حتى يومنا هذا تعتبر ديموقراطية مقنعة لدى بعض الأمريكيين. لذلك يجب علينا أن نحمد ربنا على نعمة الأردن (دولة المؤسسات والقوانين) وأن نحافظ عليه وأن نعمل على إصلاحه واجتثاث الفساد منه بطرق قانونية ودستورية.


حقا إن الذي حصل اليوم مؤسف جدا ويهدد إستقرارنا ووحدتنا. لذلك أرجوا من الجميع العودة إلى طاولة الحوار والمفاوضات، وإحترام الآخرين وعدم تخوينهم.

حمى الله الأردن وطنا وشعبا وقائدا
والله من وراء القصد

محمد صالح فواز الخصاونة

Reply · Report Post