في صباح يوم الأربعاء22/2/1432 وكعادة أي معلمة ذهبت لدوامي مطمئنة ومتفائلة دون أن أعلم بأن هذا اليوم سينقلب إلى جحيم لكل سكان جدة وبالأخص لطالبات ومعلمات مدرسة الزهراء الخاصة .. في حوالي الساعة العاشرة كنت أصحح أوراق اختبارات الطالبات مع إحدى الزميلات لنتفاجأ بهطول خفيف للأمطار وبحكم أن مديرتنا فرضت علينا عدم الخروج إلا عند الساعة 4 عصراً سواء انتهينا من اعمالنا أم لم ننته انكببنا نكمل عملية التصحيح بالرغم من هطول المطر .. بعدها وقعت الكارثة وأشتد تساقط المطر .. خرجنا من غرفة التصحيح وتوجهنا إلى الإدارة لنطالبهم بخروجنا كون الأجواء تنذر بقدوم سيول وكارثة محققه .. تفاجأنا بخروج مديرتنا وابنتها من المدرسة وكنّ في تلك الحالة هم أول الخارجين والفارين تاركين خلفهم جميع منسوبات وطالبات الزهراء داخل المدرسة!!!
في تلك الأثناء أصبحن المعلمات يصرخن في الممرات بقولهن (اخرجو اخرجو واتركو اوراق التصحيح !!)
موجهات كلامهن لكل من كن يكملن التصحيح في الغرف
أخذت هاتفي وحاولت الاتصال على أخي وكان هو الآخر في شارع فلسطين محتجز داخل سيارته بسبب الازدحام والامطار ..
كل ما قاله لي (العالم موقفه سياراتها من المطر وجالسه فوقها)
ألتفت حولي ولا أرى ولاأسمع سوى صوت الاستغفار والتسبيح واتصالات لاتنتهي على أهاليهن
فجأه انبعثت في أرجاء المدرسة رائحة غريبة كرائحة أسلاك كهرباء تحترق
وانقطعت الكهرباء فور صدور الرائحة !! علمنا وقتها بأن موتنا محقق لامحالة !!
في تلك الأثناءانفتح باب المدرسةودخلت علينا مجموعة طالبات أستطيع تقدير عددهن في حدود 8 طالبات كانوا يستقلون باص (ميكرو باص صغير)عائدات إلى منازلهن من الاختبار .. استطاع السائق بفطنته ان يلمح مبنى المدرسة ويجبرهن على الدخول إليها للإحتماء

وبعد عدة محاولات يائسة للإتصال بالدفاع المدني قدم إلينا 2 من رجال الدفاع مع سيارة كبيرة (وايت شفط على ما اعتقد ) في محاولة لإخراجنا من المبنى قبل غرقه .. عندما رأى وضع المدرسة اقترح علينا رجل الدفاع بإخراج من تقع منازلهن بالقرب من المدرسة .. ثم يقوم بنقل البقيةمجموعات منفصله إلى شقق مأمنه بواسطة القوارب ..
استجبنا لإقتراحه ولبسنا عبائاتنا ثم انتظرنا بعيون قلقه وحائرة لدورنا في الانقاذ
خرجت معلمتان بأطفالهن وكن أول من سيقوم رجل الدفاع بإنقاذهن وإخراجهن من المبنى لإيصالهن إلى منازلهن الواقعة خلف مبنى المدرسة..
كانت إحدى المعلمات مصرية الجنسية تنظر من سطح المبنى لهن وهن يخرجن مع رجل الدفاع المدني لتطمئن على احوالهن ...
وفي وسط الأجواء الهادئةالمترقبة للفرج يتعالى صوت صراخها وهي تقول لنا (محدش ينزل محدش ينزل !!)

ركضنا إلى السطح .. وكنت متيقنة بأن المعلمتان وأطفالهن قد حصل لهم مكروه

فعلاً صدق حدسي لأن مدرستنا مطلة على كوبري الملك مباشرة وليس هناك أي مبانٍ تحجز السيول عناأرتفع منسوب المياه في غضون ربع ساعة بشكل مخيف وجرفهن السيل
أمام نظر رجل الدفاع المدني ولم يستطيعا التصرف بشكل سليم لولا لطف الله ووجود شابان يجيدان السباحة استطاعا إنقاذهما وسحبهما إلى منطقة آمنة!!

لم يقف الأمر على عدم محاولة رجال الدفاع لمساعدة المعلمتين بطريقة صحيحة بل بعدها ببرهة أخبرنا رجل الدفاع بأن القوارب بها خلل ولن يقوموا بنقلنا لأي منطقة أخرى !!!
واكتفى بقوله (احمدوا ربكم انكم هنا ! برا قاعدين ننتشل الجثث )
وراح !

استمر ارتفاع منسوب المياه إلى أن غرق الطابق الأول
ركضنا إلى الطابق الثاني ونحن نصرخ ونبكي من هول الحال

كنا عبارة عن 35 معلمة وطالبة بالإضافة إلى 2 أطفال رضّع و2 اطفال تتراوح اعمارهم مابين 3-4 سنوات

كنت وقتها قريبة من إحدى شبابيك المبنى لألمح فتى يبدو من مظهره أنه طالب
كان قد جرفه السيل وقد تعلق بجذع شجره قريبه من المبنى .. لم أحتمل المنظر صرخت واستنجدت لعل هناك من ينتبه له دون فائدة ..
انتهى مشهد الفتى بأن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله )ترك الجذع وذهب مع السيل !!!!!

وماهي إلا لحظات نتفاجأبإنفجر ت ماسورة المياه بأعلى المبنى وعلى إثرها انقطعت المياه عن المبنى كامل

اصبحنا بلا ماء ولا كهرباء .. ولم يكن لدينا أي مصدر غذاء كون المقصف يقع بالدور الأرضي وقد غرق بالكامل

أنقسمنا إلى مجموعات هناك من تبحث عن غذاء وهناك من تبحث عن شموع وكبريت وهناك من تبحث عن ملابس أو أي أقمشة جافه لتدفئة أجسادنا المبللة من المياه

بقينا على هذا الحال إلى الساعة 6 المغرب

اقتربت مني إحدى طالباتي لتقول لي : (يا ابله وحده من بنات الحكومي اغمى عليها عندها القلب )

انشل تفكيري !! ركضت للفصل اللي كانوا الطالبات متجمعات فيه الطالبة وجدتها مستلقيه على البلاط البارد ومغطاه بعبائه مبلله

هرعت للمعلمات واخبرتهن بالأمر
وذهبت بعدها لأبحث عن مياه شرب لأكتشف أن مياه الشرب نفذت منا!! وليست بيننا من لديها خبره بأي أمور طبيه أو حتى اسعافات أوليه !!
اقترحت على المعلمات بأن نذهب بها للسطح كون الطابق الثاني اصبح سيء جداولايحتمل بسبب دورات المياه المتسخه وعدم وجود مجرى هواء نظيف !!
صعدنا بالطالبة إلى السطح وبقينا نستنجد ونصرخ بأعلى أصواتنا لعل أحد يستمع إلينا دون فائدة

كان هناك 3 شباب من جنسيات عربية (سوري - لبناني - فلسطيني) باعلى احد المنازل القريبة من مدخل النفق المتواجد عنده الدفاع المدني بشكل مكثف
سمعو ندائناوهم يصرخون بدورهم على الدفاع المدني
ولكن ايضا لاحياة لمن تنادي

(أحب أضيف هنا بأنه أيضاً كان هناك شاب تونسي جرفه السيل من منطقة بعيدة إلى أن تعلق بأحد كفرات باص نقل جماعي أمام المبنى وكان يستنجد بصوت عالي تنبهنا لندائه وصرنا نصرخ لقوارب الدفاع المدني اللي رايحه وجايه بدون فايده الشاب خارت قواه وصار يقول معدش عندي قوه يعيشكم يخليلكم امكم وابوكم!! ويتكلم بلهجة تونسيه ويوجه الكلام لنا .. نادينا معلمة تونسية متواجده معنا صارت تصبره وتتحادث معاه بلهجتهم حتى لايفقد وعيه بالمويه بالأخير صار يوصينا في عياله ويبكي!!حاولو مجموعة شباب الله يجزاهم الخير يوصلون له بالسباحه لكن ماقدروا لأن المياه كانت سرعتها كبيره والمنطقة بعيده عن موقعهم .. ماوصل عنده القارب إلا لما فقد الأمل المسكين )

تنبهنا لوجود فليبينيات بإحدى اسطح العمائر المجاورة للمبنى استعنا بمعلمة الانجليزي لتشرح لهم وضع الطالبة بعدما علمنا انهن ممرضات
وصاروا بدورهم يعطونا تعليمات أولية وحنا ننفذها على الطالبة
بقينا على هذا الحال ساعتين

فجأه وصلتنا قوارير مياه وعندما سألنا عن مصدرها قالوا بأنها من الدفاع المدني !!! (جزاهم الله خير على الهدية
!!! )

دخل رجلا دفاع مدني وأخذواالطالبة المريضة وطلبنا منهم الخروج وكان ردهم ((هي بس تطلع أنتم خلكم هنا مافيه مكان ولا طريق نخرجكم منه .. اتصلو بأهلها وقولوا لهم انها بمستشفى أبو زناده !! ))

دون أن يلقون بالا بأن بطاريات جوالاتنا شارفت على عزلنا عن العالم الخارجي اساسا !!

عند الساعه العاشرة سمعنا صوت رجل بأسفل المبنى ينادي: خديجة ... خديجة

عندما نظرنا جهة الصوت وجدناه والد ثلاث طالبات (أخوات) قد دخل المدرسة بملابسه الداخلية رابطاً حوالي 5 أكياس إحداها على عنقه والبقية على كتفيهمليئة بالرز واللحم وكانت وسيلة حمايته الوحيدة عصا خشبيه!!

ردت على ندائاته إحدى المعلمات من أعلى السطح قائلة:

بناتك بخير ماعليهم خلاف .. أرجع أرررجع

كان رده لنا :
أدري ان بناتي بخير لكن والله ماأترككم بدون اكل
فعلا رجل شهم والرجال قليل!!

استطاع الدخول للمبنى وايصال الطعام لنا .. سلم على بناته وخرج يبحث عن حل لإخراجنا من هناك

عند الساعة الواحدة ليلاً نزلنا للطابق الثاني حتى نوفر للطالبات والأطفال مكان للنوم بعد ان خارت قوانا وقواهم وفقدنا الامل بالخروج

لم نجد في المبنى سوى (حصير واحد فقط) لنضعه كحاجز عن البلاط البارد

ولكونه لن يتسع لـ 35 شخص اضطرر بعضنا أن ينام على البلاط بدون أي وقايه

سأوقف قصتي المؤلمة هنا وسأكتفي بقول أن آخر شخص خرج من المبنى كانت الساعة تشير وقتها إلى التاسعة من صباح يوم الخميس .......................
حسبنا الله وكفى!


إذا أردتم أن تعرفوا كيف خرجنا من المبنى يالدفاع المدني !!
خرجننا بعد أن تحيال مجموعة من الشباب عليكم ودخلوا من الاحياء المجاورة بسيارات جيب كبيرة بعد أن قمتم بإغلاق الطريق

خرجنا بعد أن استخدمنا اطواق النجاة والحبال التي تركتوها خلفكم بعد أن فشلت عملية إنقاذكم لنا




شكراً لـ:
جريدة سبق الألكترونية لتفاعلك معي ونقلك لإستنجادي


متطوعي جدة عبر موقع
twitter



................................

إحدى الناجيات

rogegodi




Reply · Report Post